فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الخامس: أن الخطاب في {لَكُم} و{تَرَوْنَهُمْ} لليهود، والضميران- المنصوب والمجرور- على هذا عائدان على المسلمين، على معنى: ترونهم- لو رأيتموهم- مثليهم، وفي هذا التقدير تكلُّف لا حاجة إليه.
وكأن هذا القائل اختار أن يكون الخطاب في الآية المتقدمة- وهي قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ}- {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ}- لليهود، فجعله في {تَرَوْنَهُم} لهم- أيضا- ولكن الخروج من خطاب اليهود إلى خطاب قوم آخرين أوْلَى من هذا التقدير المتكلف؛ لأن اليهود لم يكونوا حاضري الوقعةِ، حتى يُخَاطَبُوا برؤيتهم لهم كذلك، ويجوز- على هذا القول- أن يكون الضمير- المنصوب والمجرور- عائدَيْن على الكفار، أي: أنهم كُثِّرَ في أعينهم الكفارُ، حتى صاروا مثلي عدد المؤمنين، ومع ذلك غلبهم المؤمنون، وانتصروا عليهم، فهو أبلغ في القدرة. ويجوز أن يعود المنصوب على المسلمين، والمجرور على المشركين، أي: ترون- أيها اليهود المسلمين مثلي عدد المشركين؛ مهابةً لهم، وتهويلًا لأمر المؤمنين، كما كان ذلك في حق المشركين- فيما تقدم من الأقوال-، ويجوز أن يعود المنصوب على المشركين، والمجرور على المسلمين، والمعنى: ترون- أيها اليهود لو رأيتم- المشركين مثلي عدد المؤمنين وذلك أنتم قُلِّلوا في أعينهم؛ ليَحْصُل لهم الفزَعُ والغَمُّ؛ لأنه كان يغمهم قلةُ المؤمنين، ويعجبهم كثرتهم ونصرتهم على المسلمين، حَسَدًا وبَغْيًا.
فهذه ثلاثة أوجهٍ مرتبة على الوجهِ الخامسِ، فتصير ثمانية أوجهٍ في قراءة نافع. أما قراءة الباقين ففيها أوجه:
أحدها: أنها كقراءة الخطاب، فكل ما قيل في المراد به الخطابُ هناك قيل به هنا، ولكنه جاء على باب الالتفاتِ من خطاب إلى غيبةٍ.
الثاني: في أن الخطاب في {لَكُمْ} للمؤمنين، والضمير المرفوع في {يَرَوْنَهُم} للكفار، والمنصوب والمجرور للمسلمين، والمعنى: يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المؤمنين- ستمائة ونيفًا وعشرين- أراهم الله- مع قتلهم- إياهم ضعفهم؛ ليهابوهم، ويجبنوا عنهم.
الثالث: أن الخطاب في {لَكُم} للمؤمنين- أيضا- والضمير المرفوع في {يَرَوْنَهُم} للكفار، والمنصوب للمسلمين، والمجرور للمشركين، أي: يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين أراهم الله المؤمنين أضعافهم؛ لما تقدم في الوجه قبله.
الرابع: أن يعود الضميرُ المرفوعُ في {يَرَوْنَهُم} على الفئة الكافرةِ؛ لأنها جمع في المعنى، والضمير المنصوب والمجرور على ما تقدم من احتمال عودهما على الكافرين، أو على المسلمين، أو أحدهما لأحدهم.
والذي تقوى في هذه الآيةِ- من جميع الوجوه المتقدمةِ- من حيث المعنى أن يكون مدارُ الآيةِ على تقليل المسلمين، وتكثير الكافرين؛ لأن مقصود الآية ومساقها للدلالةِ على قدرةِ الله الباهرةِ، وتأييده بالنصر لعباده المؤمنين مع قلة عددهم، وخُذْلان الكافرين مع كَثْرةِ عددهم وتحزبهم لنعلم أن النصر كله من عند الله، وليس سببه كثرتكم وقلةَ عدوِّكم، بل سببه ما فعله الله تعالى من إلقاء الرعب في قلوب أعدائكم، ويؤيده قوله بعد ذلك: {والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ} وقال في موضع آخر: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25].
وقال أبو شامة- بَعْدَ ذِكر هذا المعنى وتقويته-: فالهاء في {يَرَوْنَهُمْ} للكفار، سواء قُرِئ بالغيبة أم بالخطاب، والهاء في {مِثلَيْهم} للمسلمين.
فإن قلت: إن كان المراد هذا فهلاَّ قيل: يَرَونَهُمْ ثلاثةَ أمثالهم، فكان أبلغ في الآية، وهي نَصْر القليل على هذا الكثير، والعدة كانت كذلك أو أكثر؟
قلت: أخبر عن الواقع، وكان آية أخرى مضمومة إلى آيةِ البصر، وهي تقليل الكفارِ في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم فيه، وهو أن الواحد من المسلمين يَغْلِب الاثنين، فلم تكن حاجة إلى التقليل بأكثر من هذا، وفيه فائدةُ وقوع ما ضَمِنَ لهم من النصر فيه انتهى.
قال شهاب الدين: وإلى هذا المعنى ذهب الفراء، أعني أنهم يرونهم ثلاثةَ أمثالهم فإنه قال: مثليهم: ثلاثة أمثالهم، كقول القائل: عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها.
وغلطة أبو إسحاقَ- في هذا- وقال: مِثْل الشيء: ما ساواه، ومثلاه ما ساواه مرتين.
قال ابن كَيْسان: الذي أوقع الفراء في ذلك أن الكفار كانوا- يوم بدر- ثلاثة أمثال المؤمنين فتوهَّم أنه لا يجوز أن يروهم إلا على عدتهم، والمعنى ليس عليه، وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين:
إحداهما: أنه رأى الصلاح في ذلك؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبُهم بذلك.
والأخرى: أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم.
والجملة- على قراءة نافع- يحتمل أن تكون مستأنفةً، لا محل لها من الإعراب، ويحتمل أن يكون لها محل، وفيه- حينئذ- وجهانِ:
أحدهما: النصب على الحال من الكاف في {لَكُم} أي: قد كان لكم حال كونكم ترونهم.
والثاني: الجر؛ نعتًا لـ {فِئَتَيْنِ}؛ لأن فيها ضميرًا يرجع عليهما، قاله أبو البقاء وأما على قراءة الغيبة فيحتمل الاستئناف، ويحتمل الرفع؛ صفة لإحدى الفئتين، ويحتمل الجر؛ صفة لـ {فِئَتَيْنِ} أيضا، على أن تكون الواو في {يَرَوْنَهُمْ} ترجع إلى اليهود؛ لأن في الجملة ضميرًا يعود على الفئتين. اهـ.

.قال السمرقندي:

فإن قيل: إن اليهود لم يكونوا حضورًا في ذلك الوقت، فكيف يرون ذلك؟
قيل له: إذا انتشر الخبر فهموا، وعلموا ذلك صار كالمعاينة، ولأن لهم جواسيس عند المسلمين يخبرون اليهود بذلك، فصار كأن كلهم رأى ذلك، ومن قرأ بالياء معناه أن المسلمين يرون الكفار مثليهم.
ويقال إن المشركين حين خرجوا من مكة، كانوا ألفًا وثلاثمائة رجل، فلما وجدوا العير سالمة رجع مع العير ثلاثمائة وخمسون، وتخلف تسعمائة وخمسون للحرب، وكان أبو سفيان بن حرب في تلك العير، فرجع إلى مكة، وحثّهم على المسير، ولم يكن حاضرًا وقت الحرب، وإنما قال الكلبي في كتابه: نزلت في جمع أبي سفيان وأصحابه، لأن أبا سفيان هو الذي حثهم على الخروج. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {رَأْيَ العين} في انتصابه ثلاثة أوجهٍ، تقدم منها اثنان النصب على المصدر التوكيدي، أو النصب على المصدر التشبيهيّ.
الثالث: أنه منصوب على ظرف المكانِ، قال الواحديُّ:.. كما تقول: ترونهم أمامكم، ومثله هو مني مَزجَرَ الكلب، وَمَناطَ الْعُنق، وهذا إخراج للفظ عن موضوعه- مع عدم المساعد- معنًى أو صناعةً.
ورأى مشترك بين رأى معنى أبصر، ومصدره: الرَّأي، والرؤية، وبمعنى اعتقد وله الرأي وبمعنى الحلم، وله الرؤيا كالدنيا، فوقع الفرق بالمصدر، فالرؤية للبصر خاصةً، والرؤيا للحلم فقط، والرأي مشترك بين البصرية والاعتقادية، يقال: هذا رأي فلان، أي: اعتقاده.
قال: [الطويل]
رأى النَّاسَ إلاَّ مَنْ رأى مِثْلَ رَأيِهِ ** خَوَارِدَ تَرَّاكِينَ قَصْدَ الْمَخَارِجِ

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء}:

قال الفخر:
نصر الله المسلمين على وجهين: نصر بالغلبة كنصر يوم بدر، ونصر بالحجة، فلهذا المعنى لو قدرنا أنه هزم قوم من المؤمنين لجاز أن يقال: هم المنصورون لأنهم هم المنصورون بالحجة، وبالعاقبة الحميدة، والمقصود من الآية أن النصر والظفر إنما يحصلان بتأييد الله ونصره، لا بكثرة العدد والشوكة والسلاح. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّ في ذلك لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ}:

.قال الفخر:

العبرة الاعتبار وهي الآية التي يعبر بها من منزلة الجهل إلى العلم وأصله من العبور وهو النفوذ من أحد الجانبين إلى الآخر، ومنه العبارة وهي كلام الذي يعبر بالمعنى إلى المخاطب، وعبارة الرؤيا من ذلك، لأنها تعبير لها، وقوله: {لأُوْلِى الأبصار} أي لأولي العقول، كما يقال: لفلان بصر بهذا الأمر، أي علم ومعرفة، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن في نصرة الله لرسوله يوم بدر مع قلة أصحابه عبرة لذوي البصائر والعقول.
والثاني: أن فيما أبصره المشركون من كثرة المسلمين مع قلتهم عبرة لذوي الأعين والبصائر. اهـ.

.قال في روح البيان:

على العاقل أن يعتبر بالآيات ولا يغتر بكثرة الأعداد من الأموال والأولاد وعدم اجتهاده لمعاده فإن الله يمتعه قليلا ثم يضطره إلى عذاب غليظ.
واعلم أن المبتلى بالكفر مغلوب الحكم الأزلى بالشقاوة ثم مغلوب الهوى والنفس والشيطان ولذات الدنيا فغلبات الهوى والنفس ترد إلى أسفل سافلين الطبيعة فيعيش فيها ثم يموت على ما عاش فيه ويحشر على ما مات عليه في قعر جهنم وبئس المهاد فإنه مهده في معاشه والنار ناران نار الله ونار الجحيم فأما نار الله فهى نار حسرة القطيعة عن الله فيها يعذب قلوب المحجوبين عن الله كقوله تعالى: {نار الله الموقدة التي تتطلع على الأفئدة} وأما نار الجحيم فهى نار الشهوات والمعاملات على الغفلات من المخالفات فهى تحرق قشور الجلود كما قال تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} ولا يتخلص من هذه النار إلا لب القلوب وأن عذاب حرقة الجلد بالنسبة إلى عذاب حرقة القلوب كنسيم الحياة وسموم الممات فلابد من تزكية النفس فإنها سبب للخلاص من عذاب الفرقة قيل لبعضهم بم يتخلص العبد من نفسه قال بربه انتهى.
فإذا أراد الله أن ينصر عبده على ما طلب منه أمده بجنود الأنوار فكلما اعترته ظلمة قام لها نور فأذهبها وقطع عنه مواد الظلم والأغيار فلم يبق للهوى مجال ولا للشهوة والأخلاق الذميمة مقال ولا قال، فالنور جند القلب كما إن الظلمة جند النفس والمراد بالنور حقائق ما يستفاد من معانى الأسماء والصفات وبالظلمة معانى ما يستفاد من الهوى والعوائد الردئية قال تعالى: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} أي غيروا حالها عما هي عليه وكذلك إذا وردت الواردات الربانية على القلوب الممتلئة أخرجت منها كل صفة ردئية وكستها كل خلق زكية فهذه الدولة إنما تنال بترك الدنيا والعقبى فكيف يمتلئ بالأنوار قلب من خالط الأغيار وأحب المال والأولاد ولم يخف من رب العباد. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا} الآية.
ذكر في هذه الآية الكريمة أن وقعة بدر آية أي: علامة على صحة دين الإسلام إذ لو كان غير حق لما غلبت الفئة القليلة الضعيفة المتمسكة به الفئة الكثيرة القوية التي لم تتمسك به.
وصرح في موضع آخر أن وقعة بدر بينة أي لا لبس في الحق معها وذلك في قوله: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].
وصرح أيضا بأن وقعة بدر فرقان فارق بين الحق والباطل وهو قوله: {وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] الآية. اهـ.

.قال الجصاص:

وقوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله} الْآيَةَ.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ الْفِئَةُ الرَّائِيَةُ لِلْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، فَرَأَوْهُمْ مِثْلَيْ عُدَّتِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا ثَلَاثَةً أمثالهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا نَحْوَ أَلْفِ رَجُلٍ وَالْمُسْلِمُونَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، فَقَلَّلَهُمْ الله تعالى فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ لِتَقْوِيَةِ قُلُوبِهِمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ} آيَةٌ مُخَاطِبَةٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِمْ فِي قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلَى جَهَنَّمَ} وَقوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَتَمَامٌ لَهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْكَافِرِينَ رَأَوْا الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ، وَأَرَاهُمْ الله تعالى كَذَلِكَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ لِيُجَنِّبَ قُلُوبَهُمْ وَيُرْهِبَهُمْ فَيَكُونُ أَقْوَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَحَدُ أَبْوَابِ النَّصْرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْخِذْلَانِ لِلْكَافِرِينَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَدُهُمَا: غَلَبَةُ الْفِئَةِ الْقَلِيلَةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ لِلْكَثِيرَةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَجْرَى الْعَادَةِ؛ لِمَا أَمَدَّهُمْ الله بِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الله تعالى قَدْ كَانَ وَعَدَهُمْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ اللِّقَاءِ بِالظَّفَرِ وَالْغَلَبَةِ وَقَالَ: {هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ} وَكَانَ كَمَا وَعَدَ الله، وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:
سورة آل عمران مدنية وهي مائتا آية.
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[سورة آل عمران: الآيات 1- 4]

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الم (1) الله لا إله إلا هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالله عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)}.
(م) حقها أن يوقف عليها كما وقف على ألف ولام، وأن يبدأ ما بعدها كما تقول: واحد اثنان:
وهي قراءة عاصم. وأما فتحها فهي حركة الهمزة ألقيت عليها حين أسقطت للتخفيف. فإن قلت:
كيف جاز إلقاء حركتها عليها وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام فلا تثبت حركتها لأنّ ثبات حركتها كثباتها؟ قلت: هذا ليس بدرج، لأنّ (م) في حكم الوقف والسكون والهمزة في حكم الثابت. وإنما حذفت تخفيفًا وألقيت حركتها على الساكن قبلها ليدل عليها. ونظيره قولهم:
واحد اثنان، بإلقاء حركة الهمزة على الدال. فإن قلت: هلا زعمت أنها حركة لالتقاء الساكنين؟
قلت: لأنّ التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف، وذلك قولك: هذا إبراهيم وداود وإسحاق.
ولو كان التقاء الساكنين في حال الوقف يوجب التحريك لحرك الميمان في ألف لام ميم، لالتقاء الساكنين. ولما انتظر ساكن آخر. فإن قلت: إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين في ميم، لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين، فإذا جاء اسكن ثالث لم يمكن إلا التحريك فحركوا.
قلت: الدليل على أن الحركة ليست لملاقاة الساكن أنه كان يمكنهم أن يقولوا: واحد اثنان، بسكون الدال مع طرح الهمزة، فيجمعوا بين ساكنين، كما قالوا: أصيم، ومديق. فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير وليست لالتقاء الساكنين. فإن قلت:
فما وجه قراءة عمرو بن عبيد بالكسر؟ قلت: هذه القراءة على توهم التحريك لالتقاء الساكنين وما هي بمقولة. والتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ اسمان أعجميان. وتكلف اشتقاقهما من الورى والنجل ووزنهما بتفعلة وأفعيل، إنما يصح بعد كونهما عربيين. وقرأ الحسن: الإنجيل، بفتح الهمزة، وهو دليل على العجمة، لأن أفعيل- بفتح الهمزة- عديم في أوزان العرب. فإن قلت: لم قيل {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ} {وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ}؟ قلت: لأن القرآن نزل منجمًا، ونزل الكتابان جملة. وقرأ الأعمش: نزَل عليك الكتابُ بالتخفيف ورفع الكتاب {هُدىً لِلنَّاسِ} أي لقوم موسى وعيسى. وقال نحن متعبدون بشرائع من قبلنا فسره على العموم. فإن قلت: ما المراد بالفرقان؟
قلت: جنس الكتب السماوية، لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل، أو الكتب التي ذكرها، كأنه قال بعد ذكر الكتب الثلاثة: وأنزل ما يفرق به بين الحق والباطل من كتبه، أو من هذه الكتب، أو أراد الكتاب الرابع وهو الزبور، كما قال: {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا} وهو ظاهر.
أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له ومدح من كونه فارقًا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس، تعظيما لشأنه وإظهارًا لفضله بِآياتِ الله من كتبه المنزلة وغيرها ذُو انْتِقامٍ له انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم.